أكد مصدر فلسطيني كبير ومسؤول لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف الفلسطيني المتعلق بالانسحاب من المفاوضات في حال استمرت إسرائيل في البناء الاستيطاني، لم يتغير.
وقال المصدر ذاته «موقفنا لم يتغير، سننسحب إذا ما استمر الاستيطان، وهذا أعلنه الرئيس بشكل واضح أمام زعماء العالم في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة».
وتعثرت حتى الأمس، كل الاتصالات الرامية إلى إقناع إسرائيل باستمرار تجميد الاستيطان، واستأنف المستوطنون البناء في بعض مستوطنات الضفة، لكن بوتيرة بطيئة بسبب الأعياد اليهودية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن رئيس الوفد الفلسطيني صائب عريقات، أنهى مهمته في واشنطن أمس، وعاد إلى رام الله دون أن يتوصل إلى اتفاق مع الإسرائيلين أو الأميركيين بشأن موضوع الاستيطان واستمرار المحادثات.
وأعطت السلطة الفسلطينية الإدارة الأميريكية مهلة أسبوع للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بتجميد إضافي للاستيطان مدة 3 أشهر إلى حين الاتفاق على مسألة الحدود التي من شأنها الحسم في المستوطنات التي ستبقى بيد إسرائيل، وأيها ستخلي لحساب الدولة الفلسطينية، وبالتالي يمكن لإسرائيل مواصلة البناء في «مستوطناتها» على أن تتوقف في البناء في المستوطنات التي يفترض أن تخلى لحساب الدولة الفلسطينية المرجوة.
وستعلن السلطة موقفها النهائي من موضوع الاستمرار في المفاوضات، بعد عقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس اجتماعا مع لجنة المتابعة العربية في القاهرة في الرابع من الشهر القادم، يسبقه اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في رام الله.
وقال المصدر ذاته «إذا لم يتوقف الاستيطان حتى ذلك التاريخ، فموقفنا سيكون الانسحاب».
ونفى المصدر وجود نويا جديدة أو أي خطط للبحث عن مخارج للاستمرار في المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان، كما أكد أن السلطة ترفض حلا وسطا في هذه المسألة.
وردا على سؤال حول ما كان يعنيه الرئيس عباس بقوله في باريس، «لن تكون لنا ردود فعل سريعة، ولا بد من أن ندرس كل النتائج دراسة حقيقية، مع قياداتنا»، قال المصدر «هذا يعني أن الموقف المعروف سيتخذ في اجتماع منظمة التحرير ومن ثم في اجتماع لجنة المتابعة العربية، ولا يعني أننا ننوي الاستمرار في المفاوضات في ظل الاستيطان».
من جهتها، اعتبرت حماس، «أن تصاعد الأعمال والأنشطة الاستيطانية في الضفة إنما يدل على نوايا الإحتلال الخبيثة، وأنه يستخدم المفاوضات كغطاء لتهويد الأرض والمقدسات».
وقال الناطق باسم حماس، فوزي برهوم، في تصريح صحافي: «إن ذلك يستلزم أخذ قرار سريع من عباس بالانسحاب من المفاوضات وإعلان انتهائها»، مؤكدا أن المفاوضات مضيعة للقضية على حساب التوافق الوطني الرافض بمجمله للعملية التفاوضية.
واعتبر برهوم موافقة أبو مازن على الاستمرار في المفاوضات لأسبوع واحد مع تواصل الأنشطة الاستيطانية، «بمثابة استدراج إسرائيلي لعباس ليبقى متورطا في مسلسل المفاوضات وحشره في زاوية المطالب الإسرائيلية».
وفي السياق نفسه، أكدت مصادر إسرائيلية، أمس، أن وزير الدفاع، ايهود باراك، الذي يؤيد مواصلة تجميد البناء الاستيطاني، وحاول إقناع رئيس وزرائه، بنيامين نتانياهو، برأيه، بيد أن محاولاته باءت بالفشل، حمل اقتراحا أميركيا جديدا لإزالة عقبة الاستيطان من وجه المفاوضات.
وينص الاقتراح على أن يتم تجميد البناء مدة شهرين، يتم خلالها إجراء مفاوضات ماراثونية مكثفة حول حدود الدولة الفلسطينية. فإذا اتفق الطرفان في موضوع الحدود، فإن قضية الاستيطان تكون قد حلت، باعتبار أن كل دولة من الدولتين تكون حرة في البناء في تخومها. وإذا لم تحل، يبحثون عن تسوية جديدة للمسألة.
وفي إطار هذه الصفقة، تقدم الولايات المتحدة ضمانات خاصة لكل طرف. فتتعهد للفلسطينيين بأن تكون دولتهم العتيدة في حدود ما قبل احتلال عام 1967، مع تعديلات طفيفة يحتمها ضم الكتل الاستيطانية إلى تخوم إسرائيل، في إطار تبادل الأراضي. وتقدم لإسرائيل ضمانات بدعم متطلباتها الأمنية وزيادة الدعم العسكري ومساندة إسرائيل سياسيا (أي الدفاع عنها في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية).
والمعروف أن فترة تجميد البناء في المستوطنات في الضفة الغربية، قد انتهت في منتصف الليلة قبل الماضية (الأحد - الاثنين). وكان مقررا أن تعقد الحكومة الإسرائيلية جلستها العادية أول من أمس، لإعلان وقف التجميد واستئناف البناء في المستعمرات، لكن نتنياهو ألغى الجلسة بسبب عيد العرش اليهودي، الذي بدأ يوم الخميس الماضي ويستمر حتى الخميس القادم. وفي هذه الحالة، كان متوقعا أن يعقد جلسة للمجلس الوزاري المصغر، لكن نتنياهو امتنع عن ذلك، وأبلغ مساعديه أنه سيلقي بيانا في القنوات التلفزيونية والإذاعية في الثامنة من مساء الأحد. وقبل الموعد المقرر، أصدروا باسمه بيانا من دون أن يعلنوا عن إلغاء الخطاب. الأمر الذي فسره بعض المراقبين على أنه تعبير عن البلبلة. فيما فسره آخرون على أنه رضوخ لطلب أميركي بأن لا يعقد الأمور أكثر.
وتجاهل البيان تماما قضية البناء الاستيطاني، واقتصر على دعوة الرئيس عباس إلى مواصلة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل لما يصب في مصلحة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وأكد وجوب التركيز على الشؤون الهامة ومواصلة المحادثات المكثفة بشكل مطرد وصولا إلى اتفاق إطار تاريخي للسلام في غضون عام واحد.
وشدد البيان على أن المفاوضات المباشرة التي كانت قد بدأت قبل 3 أسابيع، أثبتت للعديدين في المنطقة وفي العالم أنه، أي نتنياهو، ينوي بصدق تحقيق السلام ويحترم تعهداته. وأضاف البيان أن حكومة نتنياهو قطعت مشوارا طويلا بهدف مساعدة الفلسطينيين على تحسين مستوى حياتهم في «يهودا والسامرة» ?(الضفة الغربية)? وقطاع غزة.
واتصل نتنياهو الليلة قبل الماضية بالرئيس المصري، حسني مبارك، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وشرح لهما سبب عدم تمديد تجميد الاستيطان (المصاعب الائتلافية)، وقال إن حكومته هي أقل حكومة تبني في المستوطنات منذ 40 سنة، وتعهد لهما بأن يكون البناء في نطاق محدود للغاية.
وحسب مصادر سياسية في تل أبيب فإن مبارك لفت نظره إلى حقيقة وجود مصاعب ائتلافية داخل حركة فتح، التي يقودها الرئيس الفلسطيني، فأجاب نتنياهو أن عباس يستطيع أن يتباهى أمام شعبه بأنه حقق مكسبا جزئيا بأن الاستيطان هبط إلى أدنى مستوى له في العقود الأربعة الماضية.
من جهته، أعلن الرئيس الإسرائيلي، شيمعون بيرس، أن هناك حالة من الغموض وعدم الوضوح بسبب قضية الاستيطان، ولكنه دعا الإسرائيليين إلى التمسك بالمسيرة السلمية وقال: «لا يجوز وقف الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى سلام شامل». وأضاف: «إنه يتوجب البحث عن أي سبيل لتحقيق السلام لأن الحديث يجري عن مصلحة إسرائيلية من الدرجة العليا حيث إن مصيرنا كان ولا يزال منوطا بالمسيرة السلمية. لقد بدأنا المسيرة ويجب مواصلتها ويحدونا الأمل في أن نفعل ذلك خلال الأيام القريبة».
وفي باريس، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس أنه سيطلب من الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس المصري حسني مبارك، إجراء محادثات سلام في باريس قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.
وجاء إعلان ساركوزي، في مؤتمر صحافي عقده مع عباس، بعد أن أجريا محادثات في باريس.
وقال عباس إن التجميد الجزئي للبناء في مستوطنات بالضفة الغربية الذي انتهى أول من أمس الأحد يجب أن يجري تمديده لثلاثة أو أربعة شهور أخرى وهو موقف دعمه ساركوزي. وقال ساركوزي «يجب أن يتوقف البناء الاستيطاني».
وأضاف عباس: «نحن متفقان على أن الاستيطان يجب أن يتوقف، وأن نتنياهو الذي أعطى عشرة أشهر وقفا جزئيا (للاستيطان)، ولم يكن هناك مفاوضات من باب أولى أن يعطي ثلاثة أو أربعة أشهر والمفاوضات تجري حتى يسهل هذه العملية حتى نتمكن أن ندخل بعمق إلى القضايا الأساسية لنبحثها».